الإثراء المعرفي
"آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا"
هذه التجربة العملية التي نقلت المعرفة من معرفة ضمنية إلى معرفة علنية هي واحدة من ضمن حزمة المعارف المباشرة التي قدمها الله لنا في كتابه العظيم.
المعرفة و إدارتها تعد إحدى الإشكاليات الحديثة في حياتنا اليومية لذلك إهتم الغرب في الماضي القريب بإدارة المعرفة وقد بادرت العديد من الشركات و المؤسسات التعليمية الكبيرة بتأسيس قواعد و أسس لإدارة المعرفة.
تتعدد أشكال المعرفة ولكن أهمها على الإطلاق هي المعرفة الضمنية وهي التي يتم إكتسابها على مدى سنوات طويلة من تجارب فشل ونجاح وهي معرفة غير معلنة، بمعنى آخر هي في روؤس أصحابها، من الممكن أنهم لا يعلمون كيف ينقلونها إلى معلنة و في أحيان أخرى يمتنعون عن نقلها إلى العلن لأنهم يعتقدون أنه لو علم أحد معرفتهم سيفقدهم أهميتهم ضمن مجموعتهم أو مؤسستهم، لذلك يحتفظون بها. بعض المؤسسات التي تهتم بإدارة المعرفة تستخدم طرق غير مباشرة لنقل المعرفة من ضمنية إلى معلنة حتى لمن لا يريد أن ينقلها وذلك بعدة طرق مبتكرة منها على سبيل المثال لا الحصر؛ تسجيل جميع الإجتماعات، النقاشات، مقارنة التقارير المكتوبة وبما يتحدث به أصحابها حتى تستطيع أن تستنتج المعرفة الضمنية و إعلانها.
كما أن المجتمعات أيضا مشاركة في إدارة المعرفة وقد أطلقت العديد من المبادرات منها مبادرة الإثراء المعرفي التي تحاول أن تدفع أصحاب المعارف الضمنية إلى إعلان معرفتهم و نقلها للمجتمع بعدة وسائل. من أهم هذه الوسائل، اليوتيوب. فقد ساهم الغرب بشكل كبير في إثراء المجتمعات معرفيا عبر مقاطع فيديو مصورة تتضمن إثراء قيمي بالإضافة إلى الإثراء المعرفي. في أمريكا على سبيل المثال، يمكنك إصلاح أي عطل في سيارتك أو منزلك عبر مشاهدة مقطع فيديو في اليوتيوب من خبراء و أحيانا أخرى من أناس واجهوا نفس المشكلة و حلوها بطريقة ما ثم نقلوا معرفتهم إلى العلن.
نحتاج في مجتمعاتنا أن نؤسس لإدارة المعرفة في مؤسساتنا و في مجتمعاتنا على حدٍ سواء. لو أن كل واحد منّا نقل معرفته في مقطع فيديو قصير ونشره في اليوتيوب لكان أثره القيمي على المجتمع كبير و ينسحب ذلك الأثر أيضا على الإقتصاد بتقليل الإعتماد على العمالة قدر الإمكان.
ديننا الكريم، أسس لنشر المعرفة قبل قرون فالقرآن الكريم في عدة مواضع نقل إلينا معرفة ضمنية كانت في رؤوس أصحابها ونشرها للعلن، كما أن المصطفى صلوات الله وسلامه عليه قد حذر من كتم العلم.
هل سنرى إدارات المعرفة منتشرة في مؤسساتنا؟ هل سيتسابق أفراد المجتمع في الإثراء المعرفي؟
ذلك سيؤدي حتماً إلى سِتر بيوت مشاهير السوشال ميديا.
كتبه
د. خالد المطيري
٢٠١٩/٨/١٧
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.