Saturday, August 31, 2019

فأسرّها

فأسرّها
تختلف شعوب وقبائل كوكبنا باختلاف ثقافاتهم و عاداتهم التي رُسمت على مر العصور، حتى خرجت إلينا بهذه الأنساق المختلفة التي نراها و نتعايش معها يومياً. أينما يممت وجهك ستجد نُسقاً لم تعتدها وربما وجدت نفسك ناقماً عليها في أحياناً أخرى. إحدى هذه الأنساق التي تطرقنا لها هي الشفافية التي تُنادي بها جميع شعوب الأرض قاطبةً و يمارسها القليل منهم فقط. وتَنادى بها الأولين و الاخرين. الشفافية بكل تأكيد هي كلمة تحمل عدة تأويلات ولكن التأويل الدارج في مجتمعاتنا الشرق أوسطية هي الشفافية المؤسسية، وهذه لا أقصدها في هذا. بل اقصد الشفافية بين أفراد المجتمعات. فمثلا في مجتمعنا الشرق أوسطي يميل السواد الأعظم الى عدم الحديث بكل شفافية مع أي طرف حتى لو كانت المعلومات التي يسوقها عادية جداً. 
على النقيض تماما، عندما تُشَدُ الرحال إلى الغرب الأقصى، حيث ملائكة الرحمة يجوبون أرضهم وبحارهم، ستجد أنك في مجتمع يغلب عليه النسق الشفاف. يستخدمون في حياتهم تفاصيل التفاصيل حتى لا يجد آحادهم طريقا مغلقا أمامه. 
هذه النسقية الاجتماعية ليست وليدة اللحظة بل أكد عليها القران العظيم، كما في قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ). مخاطبة الله جل شأنه بهذه النسقية المتفردة وبهذه الشفافية المطلقة تجعلنا نستحضر عظمته سبحانه دوماً ونَنَسُقها في تعاملاتنا مع بَعضُنَا الاخر. 

هل سنجدنا يوماً نُسقً كالقمر؟
أم سيغلب علينا النُسق الشرق أوسطي بأسراره؟

منقية:
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ

كتبه
د. خالد المطيري
٢٠١٩/٠٨/٣١

Wednesday, August 21, 2019

حين تسألني!

!حين تسألني 

لم تعد المعرفة والمشورة الملتحفتين بجلباب العلم أمراً غير ذي بال ولامعبراً متاح لكل مسافر .. فهما كالفضة التي أوشك مكتشفها أن يقول بجنون أنها داء لكل دواء !

ولم تعد المعرفة والمشورة لحماً مقدداً يكنزه الطهاة عاما كاملاً ليأتي الطاعمون في الشهر الثاني عشر من كل سنة فيقدروا طعمه ويقيموا جودة مكوناته

المعرفة والمشورة أيضا لن يتحولا إلى كتاب يداعب به أحدهم اهدابه قبل النوم ولن يكونا تسلية يواجه بهما مسافراً طول رحلة مابين قمم مدينة الملائكة في أقاصي الغرب وشقيقتها عند مصب الأنهار في أقاصي الشرق

المعرفة والمشورة  - حين تسألني- ألفيتهما ركيزتا أمة ومسيرتا عمل ومنهجا حياة وتقدم يعرف لهما حقهما من رزقهما في وضح نهار لافي حلم ليل ..

المعرفة والمشورة - حين تسألني- باتتا مهوى أفئدة من يقدرهما حق قدرهما لا من يرمقهما كنصاب مستحق الدفع حينما يحول الحول ويشتد القيظ ويقف السائل بالباب !

المعرفة والمشورة توجيه الله للعالمين ونصيحة الأولين للآخرين و قدسية المتفكرين والمبصرين والعاقلين .. ولايعزب عنهما إلا من استوت لديه القدسية والمنسية فتشابه عليه البقر وأوشك أن يقع في الخطر

ياصديقي .. حين تسألني أين كنا ؟ وأين سنكون ؟ فسأحيلك إلى مراجع لن تفتقد روحي فيها وإن افتقدت قلمي .. أنظر إلى حيرتك حين تعييك الحيلة وستراني .. وأنظر إلى لذة النجاح حين تحسن الظن بفكري وستراني .. وأنظر إلى ما آل إليه جهدك حين تنزعج وتختلط عليك الأمور وستراني ..

رحم الله والدتي فمازالت أذني تشنف كل حين بقولها المجيد ونصحها الوافر الباهر : مكان لاتُفتَقد فيه، خير لك الزهد فيه !

إسمح لي يا صديقي مجدداً بالعودة لدهاليز الحياة بعيداً عن كل شيء ففيها من المعترك بعضٌ مما يُشترى وكثيرٌ مما يُباع ..

Saturday, August 17, 2019

الإثراء المعرفي

الإثراء المعرفي

"آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا
هذه التجربة العملية التي نقلت المعرفة من معرفة ضمنية إلى معرفة علنية هي واحدة من ضمن حزمة المعارف المباشرة التي قدمها الله لنا في كتابه العظيم
المعرفة و إدارتها تعد إحدى الإشكاليات الحديثة في حياتنا اليومية لذلك إهتم الغرب في الماضي القريب بإدارة المعرفة وقد بادرت العديد من الشركات و المؤسسات التعليمية الكبيرة بتأسيس قواعد و أسس لإدارة المعرفة
تتعدد أشكال المعرفة ولكن أهمها على الإطلاق هي المعرفة الضمنية وهي التي يتم إكتسابها على مدى سنوات طويلة من تجارب فشل ونجاح وهي معرفة غير معلنة، بمعنى آخر هي في روؤس أصحابها، من الممكن أنهم لا يعلمون كيف ينقلونها إلى معلنة و في أحيان أخرى يمتنعون عن نقلها إلى العلن لأنهم يعتقدون أنه لو علم أحد معرفتهم سيفقدهم أهميتهم ضمن مجموعتهم أو مؤسستهم، لذلك يحتفظون بهابعض المؤسسات التي تهتم بإدارة المعرفة تستخدم طرق غير مباشرة لنقل المعرفة من ضمنية إلى معلنة حتى لمن لا يريد أن ينقلها وذلك بعدة طرق مبتكرة منها على سبيل المثال لا الحصر؛ تسجيل جميع الإجتماعات، النقاشات، مقارنة التقارير المكتوبة وبما يتحدث به أصحابها حتى تستطيع أن تستنتج المعرفة الضمنية و إعلانها
كما أن المجتمعات أيضا مشاركة في إدارة المعرفة وقد أطلقت العديد من المبادرات منها مبادرة الإثراء المعرفي التي تحاول أن تدفع أصحاب المعارف الضمنية إلى إعلان معرفتهم و نقلها للمجتمع بعدة وسائلمن أهم هذه الوسائل، اليوتيوبفقد ساهم الغرب بشكل كبير في إثراء المجتمعات معرفيا عبر مقاطع فيديو مصورة تتضمن إثراء قيمي بالإضافة إلى الإثراء المعرفيفي أمريكا على سبيل المثال، يمكنك إصلاح أي عطل في سيارتك أو منزلك عبر مشاهدة مقطع فيديو في اليوتيوب من خبراء و أحيانا أخرى من أناس واجهوا نفس المشكلة و حلوها بطريقة ما ثم نقلوا معرفتهم إلى العلن
نحتاج في مجتمعاتنا أن نؤسس لإدارة المعرفة في مؤسساتنا و في مجتمعاتنا على حدٍ سواءلو أن كل واحد منّا نقل معرفته في مقطع فيديو قصير ونشره في اليوتيوب لكان أثره القيمي على المجتمع كبير و ينسحب ذلك الأثر أيضا على الإقتصاد بتقليل الإعتماد على العمالة قدر الإمكان
ديننا الكريم، أسس لنشر المعرفة قبل قرون فالقرآن الكريم في عدة مواضع نقل إلينا معرفة ضمنية كانت في رؤوس أصحابها ونشرها للعلن، كما أن المصطفى صلوات الله وسلامه عليه قد حذر من كتم العلم.

هل سنرى إدارات المعرفة منتشرة في مؤسساتنا؟  هل سيتسابق أفراد المجتمع في الإثراء المعرفي؟ 
ذلك سيؤدي حتماً إلى سِتر بيوت مشاهير السوشال ميديا

كتبه
دخالد المطيري
٢٠١٩/٨/١٧

Sunday, August 11, 2019

الإسراء؛ أفقية المكان


"سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله"
هذه أول آية في سورة الاسراء وفيها تحديد الزمان والمكان، هذه الآية الاستهلالية تتطلب تفصيل وشرح في الآيات التاليات، ولكن المشهد إنتقل  إلى بني اسرائيل وتحديدا قوم موسى عليه السلام في الآية الثانية، ثم أيضا إنتقل المشهد مرة أخرى  إلى سفينة نوح عليه السلام في ثالث آيات هذه السورة العظيمة. 
هذه التراتبية القرانية في عرض الآيات هي تراتبية توقيفية فقد كان جبريل عليه السلام يراجع المصطفى صلوات الله عليه كل عام مرة واحدة عدا آخر عام من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كانت المراجعة مرتين. يقودنا ذلك إلى أن للقران شفرات كما كان للتوراة شفرات وقد علمها الله لموسى عليه السلام في آخر لقاء بينهما من بين الثلاث لقاءت التي كانت. فشفرات القران غفل عنها أهل التفسير حتى أن الإمام الطبري له مقولة مشهورة في عجزه عن تفسير بعض الآيات بقوله "ونسكت عما لا علم لنا به". 
لذا يجب إعادة تفسير القران بضوابط محددة تلغي من أفقية المعنى التي أحيانا أقف متعاطفا مع من كتبه لبيان عجز تفسيره. 
الضوابط التي تحكم تفسير آيات القران هي أن يكون قد فسرها المصطفى صلوات الله عليه وهو الذي لا ينطق عن الهوى و كما هو معلوم أن المصطفى صلوات الله عليه لم يفسر القران ولذلك حكمة آلهيه. أيضا أحد الضوابط، أن يتوافق التفسير مع ضوابط اللغة العربية وقد قال جل من قائل: " بلسان عربي مبين". 
يدعونا ذلك إلى تقديم علم جديد؛ هندسة القرآن بدلا من تفسيره، فذلك سيقود التقدم العلمي الفعلي الذي من الممكن أن نقدمه للعالم لفك ألغاز عجز البشر عن حلها، فوضعهوها في خانة المعجزة التي يركن إليها من عجز عن تفسير أي ظاهره، ولأن القران يحمل ألفاظ عامة ذات معاني عميقة، تحتاج هذه العموميات منا أن نتفكر فيها ونحللها بتجرد بعيداً عن كتب الأولين فلربما تكون هذه الكتب من المثبطات للتفكير المجرد.
عند إعادة تفسير القران بهندسته و محاولة فك شفراته و رموزه وأسراره، سنتمكن من إعادة بناء المجتمعات و سنتقدم بشكل سريع في العلم على جميع الأصعدة. 
هل يعقل أن يكون بين أيدينا كتاب قال عنه تعالى "فيه تبيان للناس" ولا نتفكر فيه أو نحاول سبر أغواره؟ أعتقد أننا على مشارف علم جديد إذا أخلصنا النية لله وحده في محاولة فك شفراته.

يوما ما سنقف على آيات وربما سور وقد تخلصنا من التفسير الأفقي إلى التفسير الرأسي الذي سيجعلنا نفهم الكون والطبيعة من حولنا وهذه إحدى المقاصد البشرية.

كتبه
د. خالد المطيري
٢٠١٩/٠٨/١١

Sunday, August 4, 2019

التعليم والذرة

التعليم و الذرة
قبل عشرين سنة، استفاض استاذ الكيمياء في شرح نظرية الذرة و مكوناتها و سلوكها كأصغر جزيئ وصل له الانسان، فهو يبدوا انه كان مستعدا بشكل جيد لإعطاء الدرس المعقد في الذرة. بعد عقدين من الزمن، سألت نفسي سؤالا مباشرا، هل لا زالوا يعلمون ابنائنا نفس نظرية الذرة القديمة، ام انهم تقدموا مع تقدم العلم؟ حرصت ان أطّلع على كتب الكيمياء الثانوية، فوجدت ان النظرية الذرية القديمة قبل عشرين سنة ما زالت تُدرّس في مدارسنا وهذا بكل تأكيد استفز سؤالاً حائراً في داخلي، أيعقل أن يكون العلم قد توقف عند ذلك الزمان في كتبنا المدرسية؟ 
لكي أبسط لكم الاختلاف بين المفهومين، كان يُعتَقد أن الذرة يوجد فيها شحنات موجبة، بروتون،  و شحنات متعادلة، نيترون، و يدور حولهما شحنات سالبة، إلكترون، في شكل دائري في مسارات ثابته. مفهوم الذرة اختلف كليا مع تقدم العلم فالذرة الان في اخر مفهوم توصل اليه العلم تتكون من نفس العناصر الثلاث المذكورة، ولكن كل عنصر له موجه مكونه من ثلاث طبقات موجه علوية تعطي شحنة و موجة سفلية تعطي كتله وموجة بينهما تمثل العنصر نفسه فمع كل قمة موجة يأخذ شحنته و مع كل موجة قاعية ياخذ كتلته. اذا المفهوم الجديد للذرة جعلها عبارة عن بحر متلاطم من الموجات وليست منعزلة كما كان يتصور سابقاً. 
هذا التصور الجديد للذرة، يفسر حركة كل شي بالزمكان. فماهو الزمكان؟ هو ربط الزمن بالمكان، وكان هذا موضع اختلاف كبير جداً بين أنشتاين و علماء زمانه حتى اصبح الزمن هو البعد الرابع للطبيعة. فمثلا؛ نحن كبشر لنا تموج ذري يفسر تحركنا، لان الانسان عبارة عن موجات من الذرات المتحركة عبر الزمان و المكان وهذا التصور المذهل قاد العلماء الى بحث إمكانية انتقال الانسان من مكان الى اخر عبر نسخ ذراته، يعني تقريبا مثل عمل الفاكس. بمعنى آخر، حسب هذا التصور الجديد يمكن أن نكون في أكثر من مكان في نفس اللحظة عبر نسخ ذراتنا!! فهل سيُصبِح ذلك ممكنا في المستقبل؟ ما يؤكد تلك الإمكانية  قصتان حدثتا في تراثنا الاسلامي، واحدة في العهد النبوي، عندما مَثُلَ الأقصى أمام المصطفى صلوات الله عليه عند سؤال كفار قريش عن تفاصيله بعد ليلة الاسراء و المعراج، و القصة الاخرى في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب في عبارته المشهورة ياسارية الجبل عندما كانت الجيوش الاسلامية تقاتل في بلاد فارس وهو في المدينة يخطب في المسلمين.
كتابنا المدرسي ايضا  يحتاج الى آلة تغيير الزمكان في ظل التقدم الهائل في العلم وتخلفه.
كتبه:
د. خالد المطيري
٢٠١٩/٠٨/٠٤

اللازمن

اللازمن
الخطاب الالهي الكريم في القران يتحدث عن مستقبلنا بصيغة الماضي وذلك في مواضع عدة؛ كقوله تعالي: (و نفخ في الصور)، وقوله تعالى: ( انشقت السماء)، و ايضا قوله تعالى: ( وسيق الذين اتقوا ربهم). هذه صيغ الماضي في الخطاب اثارت سؤالا مهما في ذهني، هل مستقبلنا ماضي؟ من الصعب الاجابة على هذا السؤال ولكن العالم الفذ أنشتاين كان اقرب العلماء تفسيراً لذلك، بنظريتيه النسبية الخاصة و النسبية العامة. 
أنشتاين ربط الزمن بالحركة، اي انه لايوجد زمن مطلق، فكلما زادت السرعة تباطأ الزمن. وهذا يقودنا الى سؤال جوهري؛ هل يمكن لنا ان نصل الى اللازمن؟ حسب نظرية أنشتاين النسبية نعم يمكننا ذلك ولكن في حالة واحدة عندما تصل السرعة الى سرعة الضوء! فعند ذلك نصبح في اللازمن. ما علاقة هذه النظرية بما ذكرناه في بداية مقالنا عن صيغ الماضي في الخطاب الالهي القراني؟ حسب نظرية أنشتاين أيضاً، ماضينا هو حاضر أمم تبعد عنّا سنوات الضوئية. وحاضرنا هو ماضي أمم تبعد عنّا سنوات ضوئية أيضاً. فمثلا، لو قُدّر لامة تبعد عنّا ٣ الاف سنة ان ترى ما يحدث في كوكبنا لاستطاعت ان ترى موسى عليه السلام وهو يشق طريقة في البحر، وغيرها من الاحداث المتوالية. لربما نطرح مثالا اخر نعيشه يومياً، الشمس عندما تشرق تصل أشعتها للأرض خلال ٨ دقايق و نعلم ان سرعة الضوء عالية جداً، مليار كم/ساعة، ولكن في مغيب الشمس يحدث امر غريب تغيب الشمس قبل مغيبها ب ٨ دقايق، بمعنى اخر ما نراه في المغيب هو صورة الشمس وليست الشمس الحقيقة. 
اذا هل نستطيع الوصول الى اللازمن؟ هل نستطيع ان نبطأ الزمن؟ هل يستطيع الانسان تحمل تعاظم كتلته مع زيادة سرعته؟ 
اعتقد اننا نستطيع ذلك، ولنا في رسولنا الكريم أسوة حسنة، فقد اسري به صلوات الله عليه الى المسجد الأقصى ثم عرج به الى السماء. ولكن يظل السؤال الحائر الذي يبحث عن اجابة، كيف نصل الى اللازمن؟ بين هذا السؤال وفرص الاجابة عليه فجوة، حاليا، كبيرة جداً، فهل سياتي يوما ما اتحدث عن مستقبلي كماضي؟!
كتبه:
د. خالد المطيري
٢٠١٩/٠٨/٠٢

العقل و الإبداع

العقل و الإبداع
تعمل عقولنا و تنفذ ملايين العمليات يومياً. هل نعلم كيف تعمل عقولنا هذه التي ذكرها الله في كتابه العزيز في مواضع عدة لأهميتها؟ فلقد تكررت كلمة تعقلون في القران ٤٩ مرة في مواضع مختلفة، ولو أضفنا لها عدد تكرار كلمة فكر الاستدلالية لاصبح العدد ٦٨ مرة. هذه الأهمية للعقل وعمله من التفكر و جميع تصاريفها اللغوية تجعلنا نتسأل كيف يعمل العقل؟ بكل تأكيد هذا السؤال عريض جداً وله جوانب طبية و تعليمية و مهنية و ابداعية وغيرها الكثير. هنا سأتطرق الى جانب واحد وهو التفكير الإبداعي.
يتكون العقل من شقين، أيمن و أيسر ويصل بينهم عدد كبير جداً من الوصلات التي تنقل المعلومات بينهما بسرعة هائلة جدا. الشق الأيمن من العقل يتحكم في الجزء الأيسر من الجسم و العكس صحيح. وأيضا هناك اختلاف في الوظائف، فالجزء الأيمن من العقل لا يرى و لا يقرأ الكلمات ولكن يرى الصور فينقلها الى الجزء الأيسر الذي يترجمها داخليا ثم لفظيا الى المتلقي او المحيط، والعكس صحيح تماما. في ظل هذه العملية المعقدة جداً يتبادر الى ذهني سؤال: ماذا لو فقد الجزء الأيمن من العقل تواصله بالجزء الأيسر؟ اي ماذا لو انقطعت التوصيلات بينهما؟ تم اكتشاف اول حالة مرضية في عام ١٩٧٣م لرجل لايوجد له تواصل داخلي بين الشقين. وقد اجريت عليه التجارب العديدة وتم اكتشاف حقائق مذهلة عن العقل. عند فقدان التواصل الداخلي بين الشقين يصبح التفكير العقلي خارج العقل وبذلك فأصحاب هذه الحالة المرضية يفكرون خارج حدود عقولهم المكانية حتى يتم التواصل بين الشقين، وفِي النقيض من ذلك وجدوا ان كمية الإبداع لديه لا حدود لها! فقد وجدوا ان الشق الأيسر من العقل يعمل كمثبط للأفكار الإبداعية فهو المتحدث الرسمي باسم العقل و هو من يعمل على إعاقة خروج الافكار حتى يتجنب اللوم او النقد من المحيط. وهذا ما يحدث احيانا في الاجتماعات و غيرها من التجمعات البشرية عند الحديث فيها فيعمل العقل على تثبيط المتحدث عن الخروج عن النص بافكار ابداعية او نصوص رائعة. 
لكي نخرج من مقص الرقيب، الشق الأيسر، يجب ان نطرح افكارنا بلا خوف او وجل بل يجب ان نغرد بصوت عالي عن الافكار التي تعتمل في عقولنا. لكي نتغلب على الشق الأيسر نحتاج الى ممارسة وتدريب للتغلب عليه حتى يتم تجاوزه و إطلاق العنان للأفكار الإبداعية للخروج من قفص العقل الى حرية التطبيق. 

كتبه:
د. خالد المطيري
٢٠١٩/٠٧/٢٨